في عرض مدهش لثبات السوق، أظهرت أسعار النفط الخام استقرارًا ملحوظًا بالرغم من التصاعدات الكبيرة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. فشلت الغارات العسكرية الأمريكية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية وتصويت البرلمان الإيراني المحتمل لإغلاق مضيق هرمز في إثارة تقلبات الأسعار التي قد يتوقعها المرء من مثل هذه التطورات الجيوسياسية الكبرى. يثير رد الفعل الغريب للسوق تساؤلات مهمة حول ما إذا كان المتداولون يقيمون المخاطر بدقة أم يقدرون بأقل من اللازم احتمال وقوع صراع.

صمود سوق النفط في وجه العواصف الجيوسياسية

رد فعل سوق النفط المخفت على الأحداث الأخيرة أثار حيرة العديد من المحللين. بعد غارات جوية أمريكية على منشآت نووية إيرانية رئيسية في فردو، نطنز، وأصفهان، وصل خام برنت لفترة وجيزة إلى 80 دولارًا قبل أن يتراجع بسرعة. وبالمثل، بقي خام غرب تكساس الوسيط بالقرب من 76 دولارًا لفترة وجيزة قبل أن يعود للانخفاض. تتحرك الأسعار المؤقتة هذه بشكل معاكش لحدة الأحداث المتسارعة في المنطقة.

كان رد إيران التحدي، بما في ذلك تأييد البرلمان لإجراءات لإغلاق مضيق هرمز، سيرفع أسعار النفط تاريخيًا إلى مستويات مرتفعة. ومع ذلك، ظلت الأسواق هادئة بشكل ملحوظ، مما يشير إلى أن المتداولين يعملون بناءً على مجموعة افتراضات مختلفة عن المحللين الجيوسياسيين.

فك شفرة إحساس سوق النفط الجماعي 

تعمل الأسواق أقل كقراء عناوين متفاعلة وأكثر كحاسبات احتمالات متطورة. تشير الأسعار الحالية إلى أن المتداولين يتبنون عدة افتراضات رئيسية:

أولاً، يبدو أن هناك شكوكًا واسعة بأن إيران ستنفذ تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز ما لم تُستفز أكثر. ثانيًا، يبدو أن المتداولين واثقون من ردع الجيش الأمريكي ومنع صراع إقليمي شامل. ثالثًا، توفر المخزونات العالمية الصحية من النفط حاجزًا مريحًا ضد اضطرابات الإمدادات المحتملة. أخيرًا، يبدو أن المشاركين في السوق يركزون على المواقف التكتيكية قصيرة الأجل بدلاً من رهانات استراتيجية طويلة الأجل على نتائج جيوسياسية.

كما لاحظ أحد محللي الصناعة، السوق في حالة "الانتظار والترقب"، وتحتاج إلى دليل ملموس على تعطل الإمدادات قبل أن تأخذ في الحسبان علاوات مخاطرة كبيرة.

مضيق هرمز والنفط

فهم أهمية مضيق هرمز يساعد على وضع الأمور في سياق ما هو على المحك. هذه الممر المائي الضيق بين إيران وعُمان يعد طريق عبور لحوالي 20% من إمدادات النفط العالمية وجزء كبير من صادرات الغاز الطبيعي. أي تعطل لهذا الممر البحري الحيوي سيكون له تداعيات فورية على الصعيد العالمي.

رغم تصويت البرلمان الإيراني لإغلاق المضيق، القرار النهائي يعود إلى المجلس الأعلى للأمن الوطني في البلاد. رغم اعتماد إيران على هذا الطريق لصادراتها الخاصة، فإن الوطنية والاعتبارات الإستراتيجية قد تفوق المصالح الاقتصادية الذاتية، خاصة تحت ضغوط خارجية شديدة.

وفقًا لتحليل جولدمان ساكس، حتى انقطاع جزئي لمدة شهر يؤثر على نصف النفط المار عبر هرمز قد يدفع أسعار خام برنت للارتفاع إلى 110 دولارات، مع اضطرابات مماثلة في أسواق الغاز الطبيعي. سيناريو انقطاع مطول يمكن أن يحافظ على ارتفاع الأسعار لفترة طويلة.

سوابق تاريخية لتقلب أسعار النفط

هدوء السوق الحالي يعكس نمطًا متزايدًا من تبلد الحس تجاه صراعات الشرق الأوسط. في 2019، أدت هجمات الطائرات المسيرة على منشأة أرامكو في بقيق السعودية إلى قفزة تاريخية بنسبة 20% في أسعار خام برنت ليوم واحد. ومع ذلك، بحلول بداية 2020، لم تحرك عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني—التي أثارت مخاوف جدية من رد انتقامي إقليمي—الأسعار إلا بشكل طفيف.

يشير هذا إلى نمط مقلق: تحتاج أسواق النفط الآن إلى انقطاعات فعلية في الإمدادات، وليس مجرد تهديدات، لتحريك الأسعار بشكل كبير. قد يكون هذا التبلد تجاه المخاطر خطيرًا. الأحداث التي كانت تدفع لتغييرات سعرية كبيرة قبل عقد الآن بالكاد تؤثر على تحركات السوق.

السؤال المهم هو ما إذا كان السوق الحالي يظهر حكمة أم سكونًا خطيرًا.

اعتبارات القيادة وأسعار النفط

لن يكون من الحكمة للمسؤولين في القطاعات المالية والطاقة واللوجستيات والسياسات تفسير أسعار النفط الحالية على أنها انعكاس دقيق للمخاطر الجيوسياسية. قد تعكس الأسعار اليوم تفاؤل المتداولين، أو احتياطات المخزون، أو مجرد سكون، بدلاً من تقييم شامل للنتائج المحتملة.

أسواق التنبؤ تعطي حاليًا احتمالًا بنسبة 52% أن تحاول إيران إغلاق مضيق هرمز في 2025. إذا حدث ذلك، سيكون رد فعل السوق مفاجئًا وشديدًا وليس تدريجيًا.

يظل دور الصين عاملًا حرجًا، إذ تشتري أكثر من نصف النفط الخام المصدر من إيران. لذا تمتلك بكين نفوذًا وتأثيرًا كبيرين واهتمامًا جوهريًا بالحفاظ على مسارات شحن مفتوحة عبر هرمز. تضمنت الجهود الدبلوماسية الأمريكية تشجيع التدخل الصيني، رغم أن هذه القنوات الدبلوماسية لا تقدم ضمانات.

التحليل الفني: التحركات الحالية والمستويات الرئيسية لأسعار النفط

في وقت كتابة هذه السطور، تنخفض أسعار النفط بشدة من أعلى مستوياتها التي سجلتها خلال عطلة نهاية الأسبوع. تنخفض أسعار النفط ضمن منطقة شراء، مما يشير إلى احتمال انعكاس السعر. إذا شهدنا انعكاسًا، قد تجد الأسعار مقاومة عند مستوى 76.85 دولارًا. وعلى العكس، إذا شهدنا تراجعًا مطولًا، قد تجد الأسعار دعمًا عند مستويات 73.08، 66.55، و60.00 دولارًا.

بينما تبدو أسواق النفط حاليًا متجاهلة لأسوأ السيناريوهات، لا يمكن للقيادة الحكيمة أن تسمح بمثل هذه الرفاهية. هدوء السوق الحالي لا يعني بالضرورة تقليل المخاطر—قد يعكس ببساطة رهانًا جماعيًا على ضبط النفس من جميع الأطراف المعنية. إذا ردّت إيران بشكل كبير أو تحركت لتعطيل حركة المرور البحرية عبر هرمز، قد يتحول هذا الهدوء النسبي للأسعار بسرعة إلى تقلبات شديدة.

‍